وقد أحس الناس - من القدم- حتى في جاهليتهم أن الحقد صفه الطبقات الدنيا من البشر
وأن ذوى المروءات يتنزهون عنه.
قال عنتر:
لا يحمل الحقد من تعلوا به الرتب ++ولا ينال العلا من طبعه الغضب
وقالآخر:
كن كالنخل عن الأحقاد مرتفعاً++ير مى بصخرٍ فيلقي غير أثمار
ثم الحسد من الفرع الذميمه ما لا يكاد يحصى فهو من وجه غاية البخل
لأن الحاسد يبخل بمال الله والبخيل يبخل بمال نفسه ولذلك قيل : الحاسد بخيل بما لا يملكه.ومن وجه هو من أظلم الظلم؛لأن الحاسد يظلم غيره في از الة حاله ويسىء الأدب مع ربه
فيماقدره وذالك ظلم عظيم.
والحسد ضرب من الحماقه ؛لأن اغتمام الحاسد بما ينال ذووه وأهل بلده يقتضي أنه ربما يغتم بما يناله أهلالصين والهند .على أن الخير الذي يناله ذووه وأقاربه هو أنفع له مما يناله الأباعد.
ولو لم يكن من ذم الحسد الا أنه خلق ذميم يتو جه نحو الاكفاء والاقاب والاصدقاء لكان التنزه عنه محمدة
والاتصاف به منقصة فكيف وهوه بالنفس مضر,وعلى الهم مصر حتى لربما أفضى بصاحبه الى التلف
من غيره نكاية في عدوه ولا اضرار بمحسود. ولذلك قال معاويه رضي الله عنه :ليس في خصال الشر أعدل من الحسد يقتل الحاسد قبل أن يصل الى المحسود.
واعلم أنه بحسب فضل الانسان وظهور النعمة عليه يكون حسد
الحا سدين له فان كثر فضله كثر حساده وان قل قلوا لان ظهور
الفضل يثير الحسد. وقد قال صلى الله عليه وسلم:"استعينوا على انجاح الحوائج بالكتمان فان
كل ذي نعمة محسود "ولذلك قيل: اذا سرك ان تسلم من الحسد فعم عليه أمرك.
وقال الشاعر
حسدوا النعمة لما ظهرت+ فر موها بأباطيل الكلم
واذا ما الله أسد نعمة +لم يضر ها قول أعداء النعم
وقال آخر:
جامل عدوك ما استطعت فانه+ با لرفق يطمع في صلاح الفاسد
واحذر حسود ك ما استطعت فانه + ان نمت عنه فليس عنك براقد
ان الحسود وان أراك توددا+منه أضر من العدوالحاقد
ولربما رضي العدو اذا رأى +منك الجميل فصار غير معاند
ورضا الحسود زوال نعمتك التي+ أو تيتها من طارف أوتالد
فاصبر على كيد الحسود فناره+ ترمي حشاه بالعذاب الخالد
أو ما رأيت النار تأكل نفسها+ حتى تعود الى الرماد الهامد
تصفو على المحسود نعمة ربه+ ويذوب من كمدٍ فؤ اد الحاسد